الفرق بين الكتابة الوظيفية والإبداعية

تُعد الكتابة من أقدم وأهم وسائل التعبير والتواصل الإنساني، وقد تطورت عبر العصور لتخدم أغراضًا متعددة تتنوع بين التوثيق، والتعليم، والإعلام، والتعبير عن الذات. ومن بين أبرز أشكال الكتابة وأكثرها شيوعًا في الاستخدام المهني والأدبي على حد سواء، تبرز الكتابة الوظيفية والكتابة الإبداعية كمسارين مختلفين في الأهداف والأسلوب والتوقيت والاستخدام. ولكل نوع من هذين النوعين خصائصه الخاصة التي تحدد كيف يُستخدم، ولماذا يُستخدم، ومتى يُستخدم.

في هذا المقال الموسع، سيتم تحليل الفرق الجوهري بين الكتابة الوظيفية والإبداعية من حيث التوقيت والأهداف، مع التركيز على الخصائص التقنية واللغوية والنفسية لكل منهما، وكيفية توظيفها في البيئات المهنية والتعليمية والأدبية والثقافية.

أولاً: الكتابة الوظيفية – تعريفها وأغراضها

الكتابة الوظيفية (Functional Writing) هي نمط من الكتابة يُستخدم لتحقيق غرض عملي محدد، غالبًا في إطار إداري، رسمي، مؤسسي، أو أكاديمي. يُراد منها إيصال معلومة، توجيه، طلب، تقرير، أو توثيق حدث أو إجراء إداري بشكل دقيق وواضح ومنظم.

خصائص الكتابة الوظيفية:

• الوضوح والاختصار: تعتمد على الوضوح في الصياغة، والاقتصاد في الكلمات لتجنب اللبس.

• الحيادية والموضوعية: تخلو من المشاعر والانطباعات الشخصية، وتركز على الحقائق والمعلومات المباشرة.

• التركيز على الهدف: كل فقرة تخدم غرضًا معينًا، ولا توجد مساحة كبيرة للتوسع أو التشعب.

• اللغة الرسمية: تستعمل لغة معيارية، خالية من الزخرفة أو الاستعارات، وتتجنب اللهجات المحلية أو العبارات العامية.

توقيت استخدامها:

• خلال ساعات العمل الرسمية: تُكتب غالبًا أثناء دوام العمل لتخدم أغراضًا آنية، كإرسال بريد إلكتروني إداري، أو كتابة تقرير مالي.

• وفق جدول زمني محدد: يجب أن تُكتب وتُرسل ضمن إطار زمني معين، لأن تأخرها قد يؤثر على سير العمل.

أهدافها:

ثانياً: الكتابة الإبداعية – تعريفها وأبعادها الجمالية

الكتابة الإبداعية (Creative Writing) هي فن تعبيري يستند إلى الخيال، العاطفة، والتجريب اللغوي بهدف إنتاج نصوص أدبية أو فنية تحمل طابعًا شخصيًا وجماليًا. تتجلى الكتابة الإبداعية في أشكال عدة مثل الشعر، القصة القصيرة، الرواية، المسرحية، المقال الأدبي، والخواطر.

خصائص الكتابة الإبداعية:

• الخيال الفني: تعتمد على ابتكار أحداث وشخصيات أو التعبير عن مشاعر ذاتية بشكل فني.

• اللغة التصويرية: تزخر بالاستعارات، التشبيهات، والجماليات اللغوية التي تهدف إلى إثارة المشاعر وتحفيز الخيال.

• التعبير الذاتي: تعكس وجهة نظر الكاتب ومشاعره وتجاربه الشخصية.

• التحرر من القوالب: لا تخضع لصيغ نمطية، بل تمنح الكاتب حرية البناء الفني والتلاعب بالزمن واللغة.

توقيت استخدامها:

• خارج الإطار الزمني الرسمي: عادة ما تُكتب في أوقات الفراغ أو اللحظات الملهمة، إذ تتطلب صفاءً ذهنيًا وتدفقًا شعوريًا.

• بدون التزام بوقت محدد: لا ترتبط بموعد نهائي إلا في حالة الأعمال المنشورة أو المطلوبة من دور نشر أو مسابقات.

أهدافها:

ثالثاً: مقارنة شاملة بين الكتابة الوظيفية والإبداعية

رابعاً: التفاعل الزمني والنفسي مع نوع الكتابة

الكتابة الوظيفية تُمارَس بدافع الحاجة، وغالبًا ما تكون رد فعل على موقف أو إجراء إداري. يتم التعامل معها بوصفها مهمة يجب إنجازها ضمن وقت محدد ووفق تعليمات مسبقة. هذا النوع من الكتابة نادراً ما يكون مرتبطًا بالإلهام، بل هو نشاط إنتاجي يُقاس بجودته ودقته وليس بمدى جماليته.

أما الكتابة الإبداعية، فهي نشاط وجداني، مرتبط بمزاج الكاتب وقدرته على الانخراط العاطفي والنفسي في الموضوع. لذلك لا يمكن فرض توقيت ثابت أو آلية إنتاجية ميكانيكية عليها، فهي تُكتب عندما يكون الكاتب مستعدًا شعوريًا وفكريًا لذلك، وهو ما يجعلها غالبًا غير مناسبة لبيئات العمل الرسمية.

خامساً: أثر الفرق بين النوعين على القارئ

• في الكتابة الوظيفية، يتلقى القارئ المعلومة بشكل مباشر، دون الحاجة لتفسيرها أو تأملها، لأنها مكتوبة بغرض التنفيذ أو الفهم الفوري.

• في الكتابة الإبداعية، يشارك القارئ في بناء المعنى، من خلال التأويل والانغماس في النص، وقد يشعر بالمتعة أو الحزن أو الدهشة.

هذا الفرق في التفاعل يعود إلى الاختلاف الجوهري في بنية النص نفسه، حيث أن كل نوع يُبنى وفق منظومة لغوية وتواصلية مختلفة.

سادساً: تطبيقات عملية في الحياة اليومية

من المهم للأفراد وخاصةً المهنيين والطلاب والكتّاب أن يميزوا بين هذين النوعين من الكتابة لاستخدام كل منهما في الوقت والمكان المناسبين. فالخلط بينهما قد يؤدي إلى فقدان التأثير المطلوب، أو عدم تحقيق الهدف المنشود.

حالات تتطلب الكتابة الوظيفية:

• تقديم شكوى رسمية.

• كتابة سيرة ذاتية.

• إرسال بريد إلكتروني رسمي.

حالات تتطلب الكتابة الإبداعية:

• كتابة قصة قصيرة لمسابقة أدبية.

• تأليف كتاب سيرة ذاتية بأسلوب فني.

• نشر مقال رأي في جريدة ثقافية.

سابعاً: تطوير المهارات في كلا النوعين

يحتاج الكاتب إلى تدريب مستمر لاكتساب المهارات اللازمة لكل نوع، إذ تتطلب الكتابة الوظيفية دقة وتنظيمًا وصياغة عملية، بينما تتطلب الكتابة الإبداعية خيالًا خصبًا، وذوقًا لغويًا، وقدرة على بناء الشخصيات والأحداث.

مقترحات لتطوير الكتابة الوظيفية:

• قراءة النماذج الرسمية.

• دراسة قوالب الخطابات والتقارير.

• التدرب على الإيجاز والدقة.

مقترحات لتطوير الكتابة الإبداعية:

• قراءة الأدب بمختلف أنواعه.

• الكتابة الحرة اليومية.

• المشاركة في ورش كتابة أدبية.

ثامناً: دور التكنولوجيا في تعزيز النوعين

مع تطور التكنولوجيا، ظهرت أدوات تساعد الكُتّاب في تحسين إنتاجهم في كلا النوعين. يمكن استخدام أدوات التدقيق اللغوي، وبرامج تنسيق المستندات، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي لتسهيل الكتابة الوظيفية، كما يمكن للكتّاب الإبداعيين الاستفادة من تطبيقات توليد الأفكار، ومنصات النشر الذاتي، وبرامج معالجة النصوص المتقدمة لإنتاج نصوصهم الأدبية بجودة أعلى.

خاتمة

يُشكّل الفهم الدقيق للفرق بين الكتابة الوظيفية والإبداعية عنصرًا محوريًا في تمكين الأفراد من التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بفعالية واحتراف. وبينما تخدم الكتابة الوظيفية أغراضًا عملية آنية تتطلب الوضوح والاختصار والانضباط، تبقى الكتابة الإبداعية فضاءً مفتوحًا للحرية والتخييل والتجريب. ولكل من النوعين أهميته في تشكيل الوعي الثقافي والمهني للفرد، وتكاملُهما في حياة الإنسان هو ما يمنحه القدرة على التعبير بكفاءة في مختلف المواقف والسياقات.

المراجع:

• Crystal, David. The Cambridge Encyclopedia of the English Language. Cambridge University Press, 2019.

• Harmer, Jeremy. How to Teach Writing. Longman, 2004.

• Clark, Roy Peter. Writing Tools: 50 Essential Strategies for Every Writer. Little, Brown, 2008.

• نجيب محفوظ، أولاد حارتنا.

• مواقع تعليمية وأكاديمية عربية مثل: أكاديمية حسوب، ومنصة إدراك.